أخر الاخبار

أعياد غير المسلمين بين الجانب الاجتماعيّ الإنساني والجانب الدينيّ


 

العربي24-ياسين خرشوفة

من خلال النظر في كتب "الفقهاء" قديما وحديثا سنجد مقالات كثيرة وفتاوى متكاثرة تدور حول "تحريم مشاركة غير المسلمين" أعيادهم الدّينيّة بأشكال المشاركة المختلفة كان موقف الفقهاء من الاحتفال بأعياد الميلاد المسيحية شديدًا، وصل إلى عدّ ذلك من البدع، واعتبره بعضهم رِدّة عن الإسلام، وقد يجد الباحث بعض آراء لقلّة من الفقهاء تخالف هذا الرأي.

لكن في الوقت نفسه يجد النّاظر في كتب تاريخ المجتمعات المسلمة أنّ عامة النّاس كانت تحتفل بهذه الأعياد، وكانت تتخذها مناسبات "فرح اجتماعيّة"، ممّا يدلّ على وجود تضاد بين عالم "الفقهاء الفقهيّ المتخيّل" وسلوك عامة المسلمين الواقعيّ، فعالم الفقهاء الفقهيّ قائم على "أحكام فقهيّة نصيّة واستدلاليّة تأصيليّة" تفتقر إلى "النّصوص القاطعة ثبوتاً ودلالة"، لكن لا تفتقر إلى تأصيل فقهي وفق منظومات الفقه السائدة، وتتميّز عموماً بالصلابة في الموقف، ممّا يجعل الباحث عن حكم الدين في أمر ما يميل إلى عالم الفقهاء هذا، منطلقاً من مسلمة تحتاج إعادة نظر من وجهة نظري وهي "الناطق عن الدين هم الفقهاء"! وفي الجهة المقابلة فإنّ سلوك عامة النّاس منذ قرون الإسلام الأولى إلى يومنا هذا يتميّز بمرونة أو بـ"رقة المظهر الإسلاميّ" حسب تعبير "آدم ميتز"، فكثير من محرمات الفقهاء كانت حاضرة في السلوك المجتمعي والفردي للخبرة المسلمة الجماعيّة، بل كانت هذه السلوكات المحرّمة "فقهيّاً" تنمو وتزدهر. فقد كان المسلمون يحتفلون بجميع الأعياد النصرانية طول العام وكان معظم هذه الأعياد النصرانية تتجلى فيها عادات أقدم من ذلك وكثير من المواضع التي كان يحج إليها المسيحيون في مصر وفي العراق إنما كانت مواضع مقدسة عند الوثنيين من قبل ولم تكن أعياد القديسين التي كانت تعمل في الأديرة الناشئة هناك إلا تجديدا لأعياد الآلهة القدماء. 

ولم يرض الذين دخلوا في الإسلام من أهل تلك البلاد بأن يحرموا من الاحتفال بهذه الأيام التي كانت تزدهي بها الحياة أبائهم الوثنيين من قبل، ولكن المسلمين خلافا للكنيسة النصرانية انفوا في الغالب من وضع أساطير وقد تركوا النصارى يتصرفون في أمورهم الدينية من غير تدخل في ذلك واشتركوا في الجانب الاجتماعي المسلي من تلك الأعياد كما فعل آباؤهم من قبل، فمثلا كانت أعياد بغداد تكاد تكون نصرانية من كل وجه وكانت أعياد القديسين في مختلف الأديرة أكثر الأعياد نصيبا من احتفال المسلمين ولكن هذه الأديرة كانت لا تخلو حتى في غير الأعياد من الزوار الذين لا تربطهم بالدين صلة. 

هذا ما ذكره "آدم ميتز" عن "الأعياد" في كتابه "الحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع الهجري". الجزء الثاني ص 282.

وهذا نص يورده ادم ميتز من الصفحة 289 من كتاب "الحضارة الإسلاميّة" المشار إليه أعلاه. "وكان يحتفل بعيد الغطاس بمصر احتفالا كبيرا وهو ما يسمى بعي الغطاس لا كثيرا من النصارى كان يغطس فيه النيل".

وتجدر الإشارة هنا أن مصادر "آدم" هي كتب تاريخنا كما سيأتي ذكره، ولو أردتَ التعمق أكثر فانظر "خطط المقريزي" وغيره، بل انظر كتب الفقهاء التي تذكر مثل ذلك وأكثر من "فعل العامة" بل "التعميم المتسرّع مرفوض عندي منهجيّاً وعلميّا.

آدم ميتز ليس "حجة"، لكن كتب التاريخ مصادر يُستأنس بها ويُنظر فيها لمعرفة سلوك الناس، ثم للناظر أن يرى منها ما يرى من وجوه الفعل المجتمعي و"التنظير الفقهي".

 ففي المغرب والأندلس مثلا نملك عن مظاهر اختلاط العادات والثقافات سجّلا غنيًّا، اهتم العلماء والمؤرخون فيه بتدوين كل النوازل، مقرّرين آراءهم وآراء زملائهم. فعن عيد رأس السنة، أوغُرّة السنة، التي يسمّيها ابن سعيد في كتابه "المُغرب في حُلى المَغرب": "النوروز المعروف عندَهم بينّير"، وقد تكون تسميتها بالنوروز جاءت كمتابعة لأهل المشرق الذين يحتفلون بهذا اليوم الفارسي.

كما نجد أن أهل الأندلس، من المسلمين والمسيحيين، دأبوا على إظهار الفرح والسرور وإعداد أطايب المأكولات واتخاذ هذا اليوم يوم راحة وفرح، دونَ إحساسٍ بحرج الخروج عن معتقدهم الإسلامي، يتهادَون فيه الهدايا ويُقبلون على الحياة ويخرجون للرياضات والحدائق قصدَ النزهة والانشراح، ما أثار حفيظة بعض العلماء.

نقرأ عندَ الونشريسي في كتاب "المعيار المعرب عن فتاوى أهل أفريقية والأندلس والمغرب" -من أهل القرن التاسع الهجري- ما يلي: "ليلة ينير التي يسمونها الناسُ الميلادَ، ويجتهدون لها في الاستعداد، ويجعلونها كأحد الأعياد ويتهادون بينهم صنوف الأطعمة وأنواع التحف والطرف المثوبة لوجه الصلة ويترك الرجالُ والنساءُ أعمالهم صبيحتها تعظيمًا لليوم ويعدّونه رأس السنة". ويضيف الونشريسي "والمهرجان مكروه.

وعدها كذلك المؤرخ الاسباني البارث Alvares قائلا "إن المسلمين يشتركون في احتفالات المسيحيين كالنيروز". 

ويُسجّل أبو بكر الطرطوشي - وهو من أهل القرن السادس الهجري- هذا الأمر في كتابه "الحوادث والبدع"، فيقول: "من البدع اجتماع الناس بأرض الأندلس (...) على إقامة ينير بابتياع الفواكه كالعجم، وإقامة العنصرة (أعياد مسيحية يهودية)، وخميس أبريل، بشراء المجبَّنات والإسفنج، وهي من الأطعمة المبتدعة، وخروج الرجال جميعًا أو أشتاتًا مع النساء مختلطين للتفرج".

يحدثنا الطرطوشي في النص أعلاه عما كان يفعله مسلمو الأندلس في أعياد مختلفة،  إسلامية ومسيحية، ولا يفرق في ذلك بين نوعي الأعياد ولا يحدد أهمية كل منها. فالعيد الأول الذي يشير إليه هو ليلة السابع والعشرين من رمضان التي توافق ليلة القدر أي الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم. أما الأعياد الأخرى التي ذكرها الطرطوشي فهي أعياد مسيحية: الينيِّر، والعنصرة، خميس أبريل.

النص هو الإشارة الوحيدة التي نعرفها لهذا العيد في الأندلس واحتفال المسلمين به. إنه الخميس المقدس كما تدل على ذلك فقرة في (كتاب) “الخطط” للمقريزي المصري (المتوفي عام 1442م) الذي يسمي الخميس المقدس (خميس العدس) ويقول إن المسحيين في هذا اليوم يحيون ذكرى غسل المسيح لأقدام تلاميذه لكي يعلمهم التواضع، يضيف:

“في أيامنا هذه يسميه العامة في مصر “خميس العدس” ففي هذا اليوم يطبخ المسيحيون العدس المصفى، ويسميه السوريون “خميس الأرز” أو “خميس البيض” ويسميه أهل الأندلس “خميس أبريل” وأبريل اسم شهر من الشهور”.

لا يذكر لنا الطرطوشي ما إذا كان المسلمون يشاركون بشكل آخر في هذه الاحتفالات المسيحية بالإضافة إلى تناولهم المأكولات التقليدية التي كان يتناولها المسيحيون: الفواكه في يناير، والمجبن في العنصرة، والكعك والمجبنات في الخميس المقدس، وربما كانت هذه الأطعمة هي أساس الحلوى التي يتناولها المسيحيون في الأسبوع المقدس.

وحاصل الأمر أن مشاركة المسلمين في أعياد المسيحيين على أرض الأندلس جاء نتيجة صلة المجاورة والمخالطة في المجتمع وقد نبه الفقهاء على ذلك واعتبروها بدعة وطالبوا بعدم تقليد المسيحيين في أفعالهم وإعمالهم وطعامهم كما نهوا عن البذخ والترف والإسراف بالأعياد لان ذلك حسب رأيهم يتنافى مع الإسلام وتعاليمه.

ونقرا كذلك عند القاضي عياض السبتي المتوفى عام 544ه / 1149م وهو من معاصري أبي بكر الطرطوشي أن بعض الاحتفالات كان يرعاها السلاطين وذلك بقوله "ومن أخباره أن الناصر كان قد انذر الخطباء والشعراء بحضور خيل الحلبة في المهرجان قال ابن هذيل فجاءني الأمر بذلك عشي نهارها فخلوت بقية يومي والنصف من ليلتي لم انظم كلمة فأويت إلى فراشي أخذتني عيني فكنت أرى شخصا في المنام يقول لي ترقد يا آبا بكر ولم يفتح عليك ثم يقول:

مشاهد يلزمنا حضورها           للخيل حتى تنقضي أمورها

وهببت سريعا وقد توقد خاطري وافتتحت بهذا الابتداء وانثالت علي القوافي فجئت بأرجوزة حسنة غدوت بها أول منشد". 

وأضع بين يديك أيها القارئ (ة)الكريم(ة) ما قاله ابن الحاج في المدخل (الجزء الثاني ص ص 46 47): (( في ذكر بعض مواسم أهل الكتاب فهذا بعض الكلام على المواسم التي ينسبونها إلى الشرع وليست منه وبقي الكلام على المواسم التي اعتادها أكثرهم وهم يعلمون أنها مواسم مختصة بأهل الكتاب فتشبه بعض أهل الوقت بهم فيها وشاركوهم في تعظيمها يا ليت ذلك لو كان في العامة خصوصا ولكنك ترى بعض من ينتسب إلى العلم يفعل ذلك في بيته ويعينهم عليه ويعجبه منهم ويدخل السرور على من عنده في البيت من كبير وصغير بتوسعة النفقة والكسوة على زعمه بل زاد بعضهم أنهم يهادون بعض أهل الكتاب في مواسمهم ويرسلون إليهم ما يحتاجونه لمواسمهم فيستعينون بذلك على زيادة كفرهم ويرسل بعضهم الخرفان وبعضهم البطيخ الأخضر وبعضهم البلح وغير ذلك مما يكون في وقتهم وقد يجمع ذلك أكثرهم , وهذا كله مخالف للشرع الشريف.)) وهذا النقل يشير إلى المقدمتين اللتين قاربتُ الأمر بهما: الأولى: موقف الفقهاء الرافض المحرّم لمشاركة غير المسلمين أعيادهم، الثانية: بيان أنّ مشاركة غير المسلمين أعيادهم من فعل العامة أغلبهم بل بعض الخاصة.

ويضيف قائلا مِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلْنَهُ فِي مُوَافَقَةِ النَّصَارَى فِي مَوْلِدِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مَعَ أَنَّهُ أَخَفُّ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. لَكِنَّ اتِّخَاذَ ذَلِكَ عَادَةً بِدْعَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُنَّ يَعْمَلْنَ صَبِيحَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَصِيدَةً لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا لِكَثِيرٍ مِنْهُنَّ وَيَزْعُمْنَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا، أَوْ يَأْكُلْ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ الْبَرْدُ فِي سَنَتِهِ تِلْكَ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ فِيهَا دِفْءٌ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ وَمَعَ كَوْنِ فِعْلِهَا بِدْعَةً فَالشَّاهِدُ يُكَذِّبُ مَا افْتَرَيْنَهُ مِنْ قَوْلِهِنَّ الْبَاطِلَ وَالزُّورَ فَكَأَنَّهُنَّ يَشْرَعْنَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِنَّ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. انظر المدخل لابن الحاج الفاسي (2/ 5)

إذن فطغيان هذه الأجواء الاحتفالية، جعل بعض أهل العلم وطلبتهم يحتفلون مع عامة الناس بأعياد غير المسلمين، وهو أيضًا ما أغاظ بعضًا من الفقهاء، مثل أبو العباس العزفي، حتى أنه اعتبر أن السلطان والقائمين على أمر البلاد والعباد لا يقومون بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لمنع مثل هذه الأجواء. 

ويقول العزفي نصًا: "فإني رأيت الجمهور اللفيفَ والعالم الكثيفَ من أهل عصرنا قد تواطؤوا على إعظام شأن هذه البدع الثلاث: الميلاد وينّير والمهرجان وهو العنصرة، تواطؤًا فاحشًا، والتزموا الاحتفال لها والاستعداد لدخولها التزامًا قبيحًا؛ فهم يرتقبون مواقيتها ويفرحون بمجيئها". 

ويضيف: "واستسهلوا هذه البدع حين ألفوها وعظموها وصارت عندهم كالسُّنة المتبعة، وسكت العلماء عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها، وتأنّى السلطان في تغييرها، وكان الناس في هذه الأعياد يتبادلون الهدايا حتى إن الطلبة كانوا يهدون شيوخهم. كما كانوا يذبحون الذبائحَ وكان الناس يجتمعون ليلة قبل ينير أو ليلة بعده مع أقاربهم وأصهارهم فيأكلون الإدام والفاكهة وكانوا كذلك يصنعون الصُّوَر (تماثيل من الحلوى) في هذه الأعياد وكانت النساء في عيد العنصرة يرششن بيوتهن بالماء ويلقين في ثيابهن ورق الكرنب ويغتسلن".

يقول المحدث الأندلسي ابن وضاح: «سألت أبا زكريا يحيى بن سليمان عن إمام يقبل هدايا الصبيان في أعياد النصارى ويعظمها. قال ما أراه مسلمًا. قلت: لا يُصلى وراءه. قال: أنا أقول لا أراه مسلمًا، وأنت تقول لا يُصلى وراءه (…) وسألت سحنون عن ذلك فقال: رجل سوء».

لهذا كان ابن وضاح يُعجب بالمعلم الذي يرد هدايا صبيانه في أعياد النصارى، وبرجل تولى الإشراف على السوق في قرطبة فمنع الناس أن يزيدوا بضائع دكاكينهم في عيد النيروز (عيد الربيع) عن المعتاد استعدادًا للاحتفال بالعيد، وروى أحد العلماء عن أبيه أنه كان ينهى عن أكل اللحم في هذه الفصول من أعياد النصارى لأنها مما أُهلَّ به لغير الله.

وقال بعض الفقهاء، حسب أبي القاسم العزفي، لو أن رجلاً قام السنة كلها وصامها إلا ما لا يُقام فيها ولا يُصام، وفعل ذلك بنية خالصة، إلا أنه يساعد أهله، ويستعد لتلك الليلة المبتدعة، ورجلاً آخر لا يزيد على الفريضة وهو ممن لا يستعد لتلك الليلة إلا بما كان يفعله أبدًا في غيرها من الليالي حذرًا لشرها واجتنابًا لبدعتها، لكان هذا الرجل الذي لا يزيد على الفريضة عند أهل العلم والورع أفضل من ذلك المجتهد المتلطخ بالبدعة وأهدى وأتقى.

ويظلّ هذا النقل من كتاب العزفي "الدرّ المنظّم في مولد النبيّ المعظّم" نقلًا ثمينًا، لأن هذا المؤلف سيصير عُمدة المغاربة في التبرير للاحتفال بمولد النبي محمد، فإن أبا العباس العزفي يتحسر على انصراف المسلمين إلى الاحتفال بأعياد غير المسلمين، لأنهم لا يحتفلون بطريقة منظّمة بميلاد نبيّهم العربي، لذلك جاء صوت هذا الفقيه السبتي بفتوى دبلوماسية: كما يحتفل المسيحيون بالمسيح، فسنحتفل نحن المسلمون بمحمد.

وكرد فعل على ما رآه العزفي خطرًا يهدد المسلمين من تشبههم بالنصارى، أطلق دعوة للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ورآه أولى بالاحتفال من هذه الأعياد ورد على من يتعللون بالاحتفال بعيد الميلاد والعنصرة أنهما عيدا ميلاد نبيين من أنبياء الله، عيسى ويحيى عليهما السلام، فقال العزفي في كتابه «الدر المنظم في مولد النبي المعظم»:

"فأمعنت النظر، وأعملت الفكر فيما يشغل عن هذه البدع ويدفع في صدر هذا المنكر، ولو بأمر مباح، ليس على فاعله جناح، بما تطمئنّ إليه نفوسهم، وتمتد إليه أعناقهم وتميل رؤوسهم، فعلم الله النيّة واطّلع الطوية، فألهمني (سبحانه) أن أنبههم على أمر إذا تقرر لديهم قامت الحجة عليهم دينًا ودنيا، وانقطع العذر إذا تعوضوا منه أحسن عوض، يقوم به الشفاء ويطعن به المرض، فنبههم على ميلاد نبيهم المصطفى، سيد ولد آدم، خاتم النبيين (صلى الله عليه وسلم)، وإن من العجب الإقبال على ما لا يغني والإعراض عما وجب، فكثيرًا ما يسألون عن ميلاد عيسى (على نبينا وعليه السلام) وينتظرون الانتهاء إليه من الأيام، فيا أمة محمد، ويا خيرة الأمم، كفى بنا جفاء أن لا نعرف ميلاد نبينا (عليه أفضل الصلاة والسلام) ولا نتعرفه وهو أهم، ونتعرف ميلاد غيره من الأنبياء، كميلاد عيسى، ويحيى بن زكرياء، ولا علم لنا بهما فيما جاء من الأنباء. أو لم يكن سؤالهم عن ميلاد نبيهم (عليه أفضل الصلاة وأطيب السلام والتحيات) أحل وأولى، والتهمم به وبمعرفته أحمد سعيًا؟"

وقد كانت هذه الدعوة من أهم أسباب انتشار الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في المغرب والأندلس، ويقول الأستاذ «فرناندو دي لاجرانخا» إن تلك الدعوة قضت بشكل قاطع وسريع على الاحتفال بميلاد المسيح، إلا أن ابن عياد الرندي ذكر أن الأمير العزفي لم يبلغ كلية غرضه في إبطال أمر النيروز والمهرجان.

ربما بدون أن يشعر العزفي بأنه وقع لا محالة تحتَ تأثير المسيحيين على كل حال، لغد فهم سببُ تأليفه لهذا الكتاب، ودعوته لابتداع عيد المولد النبوي، مجرّد استنساخ لعيد ميلاد المسيح. 

ونفس هذه المظاهر التي تحدثنا عنها قبل قليل، تبقى سائدة حتى مع مرور قرون بعد الطرطوشي والعزفي، حيث نجد أن أهل المغرب الأقصى قد استمروا في الاحتفال بليلة رأس السنة مضاهاة للمسيحيين، بل واحتفلوا على غرار أهل الأندلس بأعياد ومناسبات أخرى خاصةٍ باليهود والمسيحيين.

لقد امتدت مشاركة المسلمين احتفالات المسيحيين إلى الصيام كما ذكر لنا العزفي بقوله "وقد كان رحمكم الله جماعة من السلف يصبحون صياما يوم ينير ويأتون المساجد فيقيمون ويصلون ويذكرون الله فيها ولا يأكلون يومهم ذلك اداما ولا فاكهة" 

قد تكون هذه التقدمة صالحة لمقالة تشنّع على سلوك العامة، وتصفهم "بقلّة الدّين ورقّة التدّين" كما يفعل جلّ الفقهاء في أغلب العصور، ولا سيما في عصرنا هذا، فرفض ممارسات "العامة"، واتهامها بالجهالة ومحاكمتها بعيارات "الفقهاء" سمة عامة مشتركة في خطاب أغلب المتحدّثين باسم الدين من فقهاء ودعاة بل ترى عدداً من المشايخ والمفتين يتشددون ويحرِّمون التهنئة ولا يوجد في بلدهم مسيحى واحد، ولم يسافروا إلى أوروبا ولم يطلعوا على واقع المسلمين في تلك المجتمعات ليفتوا لهم! لكن غرضي من هذه التقدمة هو "عكس هذه المقاربة"، فأنا أقترح أن ننظر إلى الأمر من زاوية "حكمة العامة"، أو "حكمة السلوك العام"، وذلك أنّني أرى أنّ نظرة الفقهاء لمثل هذه الأمور تتميّز بـ"القلق الديني"، و"الخوف على الدين"، بل "الخوف على الله"! فالفقهاء – أغلبهم- نظروا إلى قضية "أعياد غير المسلمين" من منظور أنّها "خطر على عقائد المسلمين"! وأنّها تورث "المشابهة لغير المسلمين"، وتدلّ على "الموافقة لعقائد الملل والأديان بل أهل الأوثان"! والقضية من وجهة نظري هي "إسقاط لقلق يسكن في نفوس الفقهاء" على النشاط المجتمعي والممارسات العامة؛ فالنّاظر في سلوك عامة النّاس في المشاركة في احتفالات غير المسلمين أعيادهم الدينيّة وغير الدينيّة يرى أنّها مشاركة "اجتماعيّة" لا "دينيّة"، فالمسلمون في بلاد الدنيا جميعاً لهم أجداد من أهل الديانات الأخرى، بل لهم أجداد وثنيون أو دهريون، وكان لهؤلاء الأجداد أعياد قبل الإسلام ترتبط بأديانهم، فلمّا تحوّل الأجداد من دين إلى دين استبقوا كثيراً من أعيادهم السابقة، بل حوّلوا هذه الأعياد إلى أعياد دينية في دينهم الجديد، ولعلّ عيد ميلاد المسيح وعلاقته بعيد ميلاد الشمس قبل المسيحيّة أظهر مثال. وحين جاء الإسلام بقيت هذه الأعياد مع الأعياد الإسلاميّة الجديدة، لكنّ مزيّة "التقبّل الإسلاميّ" لأعياد ما قبل الإسلام هي أنّه لم يجعلها أعياداً دينيّة إسلاميّة، بل اكتفى بجوانبها الاجتماعيّة الإنسانيّة، فعاملها معاملة مناسبات الفرح المجتمعي، والتقارب الإنسانيّ، واللهو البريء وغير البريء أيضاً، تاركاً الجانب الدينيّ لأهل الأديان المؤمنة بهذه الأعياد مناسباتٍ دينيّة، فلغير المسلمين "الجانب الدينيّ" من الأعياد، وللمسلمين "الجانب الاجتماعيّ الإنسانيّ". 

وقد يقول قائل: ولماذا لا يحتفل غير المسلمين بأعياد المسلمين؟ فأقول له:

1- ومَن قال لك إنّ غير المسلمين لا يحتفلون بأعياد المسلمين؟

2- ولو افترضنا أنّ غير المسلمين لا يحتفلون ولا يهنئون المسلمين بأعيادهم – وهو فرض غير صحيح- فهل قاعدة "المعاملة بالمثل" أولى من قاعدة "المعاملة بالفضل"؟

3- ولو افترضنا أنّ غير المسلمين لا يشاركون المسلمين أعيادهم الدينيّة، أفلا يكون في كونهم "أقليّة" بين المسلمين ما يسوّغ ذلك؟ فالأقليات أكثر حساسيّة تجاه الانخراط مع الأغلبيّة ومشاركتهم مناسباتهم التي تتقاطع مع هويّتهم الدينيّة. هذا على افتراض أنّهم لا يشاركون وهذا فرض غير صحيح تاريخاً وواقعاً.

هذه رؤيتي للقضية، وعنوانها "حكمة العامة"؛ فللعامة في سلوكاتهم الجمعية "حكمة عمليّة" و"خيارات مسلكيّة" تتخفّف كثيراً من "قلق الفقهاء وتشنّج مواقفهم وأحكامهم"، وتنطلق من منسوب ثقة بالدين أكبر من ثقة الفقهاء أنفسهم، فمن يظنّ أنّ تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، أو المشاركة فيها "تشكّك في عقائد المسلمين" أو تزعزع "أركان العقيدة الإسلاميّة" فهو مسكون بحساسيّة عالية ترى "الدين ومعتقداته" من الهشاشة والضعف ما يجعل المشاركة في أعياد غير المسلمين مهدّدة لها! منذ أكثر من ألف عام، والمسلمون في كثير من بلاد الإسلام وغير الإسلام يشاركون – أغلبهم- غير المسلمين أعيادهم، والمسلمون هم هم، والإسلام هو هو، فالأعياد مناسبات اجتماعيّة للجميع، ودينيّة لأتباع كلّ دين، كلٌّ حسب أعياده.

لذلك فإنّ ما ذكرتُه هنا هو ناتج قراءة في مصادر الفقه والتاريخ، ولولا أنّ الأمر جزء من بحث علمي مُعَدّ للنّشر لبسطت القول هنا. ولاحظ أنّني لم أنسب للفقهاء قولاً غير المعروف عن جمهورهم، ولكن في الوقت نفسه لم أجادل أقوالهم من منظور فقهي هنا، ولو أردتُ هذا المدخل لفعلتُ، لكن اخترتُ أن أقارب الأمر كما وضّحتُ من زاوية "موقف العامة" و"موقف "الفقهاء""، فبيّنتُ أنّ للعامة في هذا الأمر حكمة هي عندي أولى من أقوال الفقهاء. والقضية الأساس هي أنّ العامة تنظر إلى الجانب الاجتماعيّ من الأمور دون أن يلزم من ذلك موقف "دينيّ"، لكن أغلب الفقهاء لا يقبلون هذا التمييز فيصرّون على الجانب الفقهيّ وأثره الديني بغض النّظر عن وجود هذا الأثر من عدمه. الفقهاء يمثّلون وجهاً من وجوه الخطاب الديني، لكنهم لا يحتكرونه ولا ادّعى مَن ادّعى ذلك. القضية هي نظر في أفعال النّاس في الدين وغيره. ولو قال لي أحدهم: أتنتصر للعامة على الفقهاء؟ فأقول في هذه المسألة: نعم. وفي مسائل أخرى نعم ولا. وهذا فرع من دراسة أعمل عليها بين "عالم الفقهاء في المدوّنات الفقهيّة وعالم الواقع الفقهي والفعليّ في المدوّنات التاريخيّة".الخاصة" ثم "تنكره من وجهة نظرهم "الفقهية".

وتلك النقول هي إثبات أنّ جمهور الفقهاء يحرّم مشاركة غير المسلمين أعيادهم الدينيّة، وهذا ما أقرّ به وذكرته أوّل مقالتي، فأنا لم أنسب للفقهاء قولاً غير قولهم، ولست ممن يلجأ إلى "تقويل الآخرين" قولاً لم يقولوه لأحتجّ به لمقالتي. وهذه النقول التي أوردتها أعرفها دراسة وبحثاً لا مجرّد قراءة. ولو أردت خوض الأمر فقهيّاً لفعلتُ. لكن كلّ ما في الأمر هو أنّني وضعت موقف أغلب الفقهاء مقابل موقف أغلب النّاس في الخبرة الإسلاميّة الممتدة قروناً، ثمّ فضّلتُ من وجهة نظري موقف "عموم النّاس" على موقف "عموم الفقهاء"، منطلقاً من أنّ موقف الفقهاء يقوم على تحميل مشاركة غير المسلمين أعيادهم دلالات دينيّة عقديّة لا تثبت بالأدلة الواقعيّة والمنطقيّة والتاريخيّة بل الفقهيّة دلائل حدوثها؛ فالمسلمون الذين شاركوا المسيحين منذ قرون أعيادهم الدينية كما تُظهر كتب التاريخ والفقه لم يكن من مشاركتهم هذه أي أثر في عقائد المسلمين، ولكن كان لها أثر في الموقف الإنسانيّ منهم. وهذا الموقف الإنسانيّ يرفضه - للأسف- بعض الفقهاء أو أكثرهم، فالقاعدة عند هؤلاء هي: عداوة غير المسلم. وهي قاعدة جعلت الفقه الإسلاميّ المكتوب ينمو في دائرة "كراهية الآخر"، وصارت كلّ دعوة لا لمحبة الآخر بل لعدم كراهيته تُعدّ "انهزاميّة"، و"تخليّاً عن المبادئ والثوابت والأصول"، و"موالاة لأعداء الله والدين"! والقضية عندي أنّ خطاب العداوة والكراهيّة خطاب أنتجته ظروف تاريخيّة تلبّست لبوساً دينياً، ولستُ من السذاجة أن أنكر أنّ خطاب "العداوة" مشترك بين أهل الأديان للأسف، ولستُ أنكر وجود مَن يعادي المسلمين والإسلام، لكنّني أرفض أن يكون "المعادي" حاكماً على تصوّراتي ومواقفي، فأنظر للأمر من زاوية "العداوة والأعداء" فأكون كمن أنكر عليه فعله. مشكلة أتباع الديانات كلّها ولاسيما من كان متأثّراً بخطاب "علماء دينه ورجاله" أنّه ينظر إلى الأمور دوماً من منظور يختزل الكون في نفسه ودينه، مع أنّ الناس في أديانها تبع لما وجدت نفسها عليه، ومن هذا المنظور فهي ترى الأمور بازدواجيّة، فترى "وجوب انفتاح الآخر علينا"، و"تعيب رفض الآخر لديننا وممارساتنا"، وفي الوقت نفسه "نرفض الآخر ونرى وجوب معاداته"، و"نرى الانفتاح عليه" "تخاذلاً وانهزاميّة وميوعة"! وأكرّر مرّة أخرى أنّني لم أقارب الأمر من وجهة نظر الفقهاء والفقه، ولو كان الأمر كذلك فإنّ للموضوع مداخل فقهيّة وتأصيليّة كثيرة، منها أن نتفق أولاً على منهج النظر والاستدلال، فنعرف الأدلّة التي نستدلّ بها، وطرق استنباط الدلالات من هذه الأدلة. وهذا بحث تأصيليّ تفريعي يحتاج بسطاً. ولكنّني في الوقت نفسه لا أُجيز لنفسي أن أمنع غيري عمّا أجزتُ لنفسي، فمن رأى في هذه القضية رأياً غير الذي رأيت فهو وما رأى. وله أن يرى رأيي خطأ، كما أرى رأيه خطأ. الأمر عندي يقوم على حجة رأيتها، ومقاربة قاربتها.

لستُ أنكر وأكابر أنّ في أفعال الناس غير الذي ذكرتُ، بل هناك من أفعالهم ما هو أشدّ مخالفة له، ففي تاريخنا العام والخاص شواهد كثيرة لمواقف مختلفة بل متناقضة أيضاً، وحتى يكون موقفي أقرب للإنصاف العلمي أقول: أنا أستشهد بفعل فئة من النّاس وردت الأدلّة بفعلهم، وأرى في فعلهم خيراً من فعل غيرهم، ولكنّني لا أنفي فعل غيرهم هذا. وأرجو أن نقبل علميّاً بأن يكون شاهد الفعل هو ورود الفعل في مصدر "مقبول"، أمّا "غياب النقل" فلا يعني "نفي الوجود"؛ فالقاعدة تقول: انتفاء دليل الوجود لا يلزم منه نفي الوجود. فالمثال الذي ذكرته عن "مشاركة المسلمين لليهود أعيادهم" يقوم على "نفي العلم بالشيء" لا نفي الشيء. ثمّ من باب التفكّر المشترك، كيف تقرأ أحاديث صوم عاشوراء مثلاً؟ والسؤال هو للتفكّر لا للاحتجاج.

وأرجو أن يسمح لي القارئ بتوضيح أمور:

1- أنا لم أجعل موقف عموم النّاس حجة مطلقة أردّ بها تأويل القرآن ورأي الفقهاء عموماً، فكلّ ما في الأمر أنّني اتخذت ذلك مدخلاً لهذه المسألة بعد أن ظهر لي من بحث أدلة الفقهاء فيها غيرُ الذي قال به أغلبهم، وهذا فرع من قضية تأصيليّة وليس حكماً عاماً، فأنا لستُ ممن يرى "الشيوع حجة" بل أراه في كثير من الأحيان خلاف الصواب. لكن عندي وجهة نظر في مواقف الفقهاء من جهة والخبرة العامة المسلمة من جهة أخرى، وهذا فرع عن قضية "عمل العموم"، وهو أمر تستطيع أن تجد له أصولاً منثورة غير منظومة في مدونات الفقه والأصول، فلو قرأت مثلاً رأي ابن قدامة في "حكم تارك الصلاة" في المغني ستجده يحتج بفعل النّاس وخبرتهم. 

2- متى كان الدين بالرأي والهوى؟ سؤال أسأله أنا أيضاً، ولذلك فلا خلاف نظريّاً في أنّ الحجة للنّص الثابت عمن قوله حجة على النّاس في الدين، وفي الإسلام لا حجة لغير الله ورسوله. لكن أين نحن من منطوق النّصوص ومفهومها؟ ودلالات الفهم؟ وهذا ما بحثته في التأويل وأنساقه، فإنّ جدل الأدلة هو جدل أفهام، كما إنّ جدل الأحاديث جدل ثبوت ودرجته، ثم جدل أفهام ودلالات. فكم من مسألة في أصول الدين لا فروعه قالت فئة بقول وزعمت أنّه منطوق الأدلة المبين، فجاءت غيرها وقالت بضد هذا القول أو نقيضها وزعمت لبيان قولها القوة نفسها أو زيادة. لذلك لا بدّ من عيارات نقبلها أو تلزمنا لزوم برهان حتى نحتكم إليها. وهنا يصير البحث في أصول الأصول.

3- إنّ الحجة الجزئيّة لا يلزم منها الحجة الكليّة، فلو قلتُ: زيدٌ أصاب في مسألة ما، وخالد أخطأ فيها، فلا يعني أنّ زيداً مصيب في كلّ مسائله، وخالداً مخطئ. وهذا بيّن. النتيجة في كلّ مسألة تأتي من أثر الأدلّة كلّها، ففي مسألة تهنئة غير المسلمين رأيتُ فعل العامة أو أغلبهم أقرب للصواب. وفي مسائل كثيرة أخرى أرى فعلهم خطأ. فلكلّ مسألة جدل أدلتها ودلالاتها. 

ملاحظات أضيفها على ما سبق ذكره:

 1- لستُ أعتمد في مقالتي حجّة فعل العامة بما هو فعل الكثرة، فالكثرة والقلّة وصفان توصيفيان لا وصفان تقويميان، فلا الكثرة تحتكر الصواب، ولا القلّة أيضاً. 

2- المقالة تقوم على مقاربة موقف العامة وموقف الفقهاء من هذه القضيّة تحديداً، أمّا ما سواها فالأمر فيه حسب القضيّة ومقاربات النّظر.

في الختام، فأنا في هذه المقالة أرى الحكمة في فعل العامة، وسأكون "عاميّاً" من "العوّام" فأقول لإخوتي من المسيحيّة: أعيادكم أعيادنا، وأعياد كل البشر جميعاً.

أمّا أنتم "سادتي الفقهاء"، فاعذروني فإنّي أرى الخير في غير ما شاع عندكم وعنكم.

أمّا أنتم "أدعياء الدين" من دعاة الفضائيات والشبكة العنكبوتيّة فقولوا ما شئتم فإنّي لا آبه به وله.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -