أخر الاخبار

عقوبة الإعدام في المغرب بين مؤيد ومعارض


بالعربي24-عادل بن الحبيب .

مع كل جريمة بشعة ترتكب في المجتمع ، ترتفع أصوات كثيرة منادية بتطبيق أقصى العقوبات على الجاني أو الفاعل أو المتهم، حماية للمجتمع ومنعا لتكرر جرائم من تلك الشاكلة، تليها دعوات أخرى رافضة لعقوبة الإعدام فعلا وفلسفة.
والجدل المحتدم بين المنادين بالإعدام والرافضين له جدل حديث متصل بالثقافة الحقوقية التي ترفض الإعدام من حيث المبدأ، لأن الإعدام بوصفه عقوبة قصوى فهو ممارسة عرفها الإنسان منذ القدم، ولم تصدر من الأديان السماوية ما يمنعها أو يرفضها.
مناهضة عقوبة الإعدام هي ثقافة تنتمي إلى المدونة الحقوقية، وهي ثقافة حديثة، تحيل إلى أن تلك المدونة تتكئ في رفضها للعقوبة الأشد على مبادئ وثوابت ومعايير حقوقية. وهذه الحقوق مكفولة ومكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في العام 1948”. وأن العديد من القوانين الدولية تحظر صراحة استخدام عقوبة الإعدام إلا في حالات الحرب.

دول كثيرة استجابت للفكرة الحقوقية الفلسفية، وألغت عقوبة الإعدام واستبدلتها بعقوبات سالبة للحرية، مثل السجن المؤبد انطلاقا من كون عقوبة الإعدام عقوبة غير إنسانية وتسلب الإنسان الحق في الحياة، وأيضا لأنها غير قابلة للرجوع أو الإصلاح أو التدارك، لكن عدم تراجع معدلات الجريمة في الدول التي ألغت الإعدام، وفر للمنادين بتطبيقها وجاهة الحجج وقوة الأدلة، ليرتفع القول إن بعض الجرائم لا يمكن تفاديها أو مواجهتها أو الرد على بشاعتها إلا بالإعدام، صونا للمجتمع وحماية له من الإجرام.

بين حماية المجتمع وحق الإنسان في الحياة يدور الخلاف حول تطبيق عقوبة الإعدام من عدمها. ما يوحي باختلاف المنطلقات في النظر إلى القضية، التي تختزل في عمقها كيفية تحقيق العدالة، حيث ترى الأطراف المدافعة عن تطبيق الإعدام في العقوبة تحقيقا للعدالة، في حين ترى الأصوات المناهضة أن العقل البشري بوسعه تدبر حلـول لتحقيق العـدالة مـن دون سلب الإنسان حياته.

المغرب كباقي الدول يعرف جدلا كبيرا بين أنصار الإلغاء، و المتشبثين بالإبقاء عليها، وتنزيل عقوبة ارتبطت عبر العصور بفكرة العقاب في ظل السياسة الجنائية القائمة، إذ لم تكن هذه العقوبة تثير مشاكل فقهية أو فلسفية تذكر، حين كان الفكر الجنائي يعني بالفعل الإجرامي، غير أن تطور هذا المنظور نحو الاهتمام بشخص المجرم، جعل الأفكار تتجه نحو أنسنة العقوبة، والتلطيف منها، واستعمالها كوسيلة للإصلاح.
شهدت المملكة المغربية سنة 1993 تنفيذ آخر حكم بالإعدام، في حق قائد الشرطة محمد مصطفى ثابت الشهير بـ”الحاج ثابت”، في قضية مثيرة شغلت الرأي العام الوطني حينها. أزيد من سبعة و عشرون عاما مرت على ذلك الحكم، لم يتم خلالها أبدا تنفيذه، إلا أنه وبالرغم من ذلك ما تزال المحاكم المغربية تنطق به في عدة قضايا . العشرات من المحكومين بتلك العقوبة يقبعون في السجون، بعضهم قضوا سنوات طويلة داخلها وهم يترقبون ما قد يحمله الغد خصوصا في ظل عدم الإلغاء الصريح لتنفيذ العقوبة في القانون المغربي.

فمنذ سنة 1993 والمغرب لا ينفذ عقوبة الإعدام، وذلك تماشيا مع التوجه الحقوقي الدولي الذي يسير في اتجاه الدعوة إلى إلغاء هذه العقوبة، حيث دعت لجنة حقوق الإنسان الدولية في عدة قرارات لها الدول إلى الحد تدريجيا من عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام وهو الطريق الذي سارت فيه المغرب بالتغيرات التي أدخلتها على القانون الجنائي والقانون العسكري.التعديلات الدستورية التي قام بها المغرب قلصت عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في القانون الجنائي من 31 إلى 11 جريمة، وكذا وضع شرط إصداره باجتماع الهيئة المصدرة للحكم قبل النطق به، وفيما يخص القانون العدل العسكري، عرف هو الآخر انخفاض في عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام من 16 إلى 5 جرائم.

ويبقى موضوع عقوبة الإعدام محط جدل كبير في المغرب بين المؤيدين للإبقاء على العقوبة، الذين يعتبرون أنها ضرورية منها خصوصاً في بعض الجرائم، مثل اغتصاب الأطفال والقتل العمد والجرائم الكبيرة ومعارضين لها، الذين يرون أنها عقوبة تنتهك اثنين من حقوق الإنسان الأساسية، وهما الحق في الحياة والحق في العيش من دون التعرض للتعذيب.
استمدت عقوبة الإعدام شرعية تطبيقها من مجموعة نصوص الشريعة الإسلامية وكذا من نصوص القانون المغربي، وفي هذا الصدد قدم مجموعة من فقهاء الإسلام، مجموعة من النصوص الشرعية التي استقاها من القرآن والسنة النبوية، وكذا من القانون الجنائي المغربي.

أما القرآن الكريم ونصوصه الداعية إلى تطبيق القِصاص في النفوس في جرائم القتل العمد كثيرة منها كما جاء في القرآن : “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القِصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم . ولكم في القِصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون”، ومنها أيضا قوله جل من قائل :” وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قِصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له ،ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون”.

وأما السنة النبوية الشريفة فقد احتجوا بمجموعة من الأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : ” لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس والثيب الزاني ، والمفارق لدينه التارك للجماعة ” ، وكذا بما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنهما :” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين” .

وكذلك تستمد المشروعية من القانون الجنائي المغربي ، والتي لخص العقوبات التي تستوجب الإعدام في :
1-الاعتداء على حياة الملك أو ولي العهد ، أو أحد أفراد الأسرة المالكة ، الفصول : 163-165-167 من القانون الجنائي المغربي .
2-جريمة خيانة الوطن الفصلان 181 و 182 من القانون الجنائي المغربي.
3- جريمة التجسس الفصلان 185 و 186 من القانون الجنائي المغربي.
4- المس بسلامة الدولة الداخلية أو الخارجية الفصول 190 و 201 إلى 203 من القانون الجنائي المغربي.
5-جريمة الإرهاب الفصلان 3/218 و 7/218 حسب القانون الجديد للإرهاب[26].
6-القتل العمد المشدد الفصلان 392 و 393 من القانون الجنائي المغربي .
7-قتل الأصول عمدا الفصل 396 من القانون الجنائي المغربي .
8-قتل الوليد عمدا الفصل 397 من القانون الجنائي المغربي .
9-التسميم الفصل 398 من القانون الجنائي المغربي .
10-استعمال وسائل التعذيب لتنفيذ جناية الفصل 399 من القانون الجنائي المغربي .
11-الضرب بنية إحداث الموت الفصلان 410 و 411 من القانون الجنائي المغربي .
12-اختطاف الأشخاص وتعذيبهم الفصل 438 من القانون الجنائي المغربي .
13-تعريض الطفل للموت بنية إحداثه الفصل 463 من القانون الجنائي المغربي .
14-اختطاف القاصر الذي يعقبه موته الفصل 474 من القانون الجنائي المغربي .
15-إضرام النار عمدا إذا تسبب في موت الفصل 583 من القانون الجنائي المغربي .
16-التخريب بالمتفجرات الناتج عنه موت 588 من القانون الجنائي المغربي .
ويضاف على هذه الجرائم ما ورد في قانون العدل العسكري ، في الفصول 173 و 179 والفصول من 181 إلى 186 ، وهي النصوص التي تجرم تصرفات الجنود زمن الحرب .

المدافعون على إبقاء عقوبة الإعدام يعتبرون العقوبة ضرورية لضمان حقوق ذوي الضحايا، و لكبح جماح المجرمين، وهي في رأيهم أساسية للحفاظ على النظام العام، وأمن المجتمع ككل ، لاسيما في ظل انتشار بعض الجرائم البشعة. ويعتبر مناصرو هذا التيار أنه يعاقب المجرم بمثل فعله فيقتل كما قتل ويجرح كما جرح، وهي عقوبة مقدرة ثبت أصلها بالقرآن الكريم، وثبت تفصيلها بالسنة، وبالتالي المساواة بين الجريمة والعقوبة. معتبرين أن جسامة الجرم قد تبرر المساس به عبر تطبيق عقوبة الإعدام. وأن شخصا أضر بمجتمعه على نحو شنيع ليس أهلا للتأهيل لأن فشل هذا الأمر قد يدفع به إلى ارتكاب جرم جديد. ويرى مؤيّدو العقوبة ان إصلاح المجتمع أهم من إصلاح الفرد المرتكب للجرم. والترهيب الناجم عن تطبيق عقوبة الإعدام يحث الأفراد على التفكير ملياً قبل ارتكاب الجريمة. كما ان الإعدام بالنسبة لهم تعويض معنوي للضحية ولأقربائه عن الضرر الذي أصابهم.

ويعتبر المطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام، أن المغرب تأخر كثيرا في اتخاذ قرار إلغاء هذه العقوبة الغير إنسانية، مؤكدين بأنها اعتداء على الحق في الحياة الذي كرسه دستور 2011، ولا تحقق الردع المنشود للجريمة، ولا تعدو أن تكون انتقام باسم القانون ولن ترد الحقوق لذوي الضحايا.
فهم يعتبرون أنّ الحق في الحياة هو أسمى الحقوق المطلقة ولا يجوز التعرض له مهما كانت الظروف، وأنّ للمتهم الحق في إعادة تأهيله وإعطائه فرصة أخرى باعتبار أن هدف النظام القضائي الحديث هو إصلاح الأفراد بصورة أولية، وأنّ العقاب بحد ذاته ليس أساس العدل.
المعترضون على عقوبة الإعدام يقولون ان المحاكمة ليست منزهة وهي عرضة لخطأ مادي أو قانوني. والدليل على ذلك يكمن في أنّ عديد من الأشخاص حُكموا بالإعدام، وتبين لاحقاً عدم ارتكابهم الجرم.
فالمشكلة في عقوبة الإعدام أنها عقوبة لا رجعة فيها، وهو ما يثير دائما عاصفة من الانتقادات كلما تم الكشف عن معطيات جديدة متصلة بجريمة محددة، وتبين أن “المتهم” الذي تم إعدامه كان بريئا، وهي حادثة تكررت في السنوات الأخيرة في العديد من الأقطار الأوروبية وفي الولايات المتحدة، وهو ما مثل فرصة أيضا للمناهضين للعقوبة بأن يستدلوا في رفضهم لها ببشاعة فكرة إعدام بريء خسر حياته نتيجة تقدير خاطئ أو أبحاث اتخذت منحى معينا و يرون أن السجن مدى الحياة أكثر إصلاحا.

لقد حظي موضوع عقوبة الإعدام، وعلاقته بالحق في الحياة، وحماية أمن المجتمع بنقاش واسع في المغرب مع خروج الخطة الحقوقية إلى الوجود، وظل مطلب إلغاءها محل تقاطب بين المطالبين بالغاءها والداعين للإبقاء عليها. الخطة لم تكون هي الأولى التي رفضت الحسم في هذا الموضوع الخلافي، بين أطياف المجتمع المغربي بل كان قبله قرار رفض المغرب التصويت على القرارات الأممية ذات الصلة.

الجدل بين الدعوة إلى تطبيق الإعدام حماية للمجتمع من الجريمة، ورفض العقوبة انطلاقا من حق الإنسان في الحياة، هو في عمقه جدل حول سبل تحقيق العدالة. والعدالة هي مفهوم نسبي غير مطلق ويختلف من فضاء إلى آخر، وتتطلب قضاء حرا ومستقلا، كما تتطلب مناخا اجتماعيا وإعلاميا وثقافيا يتيح تحقيقها أو تصويب انحرافاتها وكشف عوراتها، وتتطلب أساسا كذلك ديمقراطية تسمح بالنقد والتعبير والرفض.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -